منذ الفتوحات الإسلامية الأولى وعلى مرّ تاريخ العصور الذهبية للدولة الإسلامية، شكّل المسجد مكانًاجامعًا للمسلمين، يؤدّون فيه الصلوات، ويتشاورون في أمور دينهم ودنياهم.
فبُنيت المساجد في المدن التي وصل إليها الفاتحون الأوائل، بقي بعضها على سيرته الأولى في البلدانالتي اعتنق فيها سكانها الإسلام، فيما بعضها هُجر عندما رحل عنها مسلموها.
وفي العصر الحديث ومع هجرة الكثير من المسلمين على اختلاف إثنياتهم ولغاتهم، إلى أوروبا، وعملاً بمارواه البخاري، ومسلم، من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله (صلّى الله عليهوسلّم) يقول: «من بنى مسجدًا لله تعالى يبتغي به وجه الله بنى الله له بيتًا في الجنة».
لم يتردّد ميسورو الحال من المسلمين سواء أكانوا يعيشون في أوروبا أم لا، في بناء المساجد لتوثيقعلاقة مسلمي أوروبا بعقيدتهم ودينهم، وكذلك ليرتاد المسافر المسلم الذي يمضي إجازة في أوروبامسجدًا يؤدي فيه ثانية فرائض الإسلام.
وفي شهر رمضان، تغصّ الجوامع في بعض المدن الأوروبية بالمصلّين بمختلف أعراقهم وأجناسهم وألوانهمولغاتهم، تجمعهم طاعة الله في الصوم والصلاة.
هذه جوامع في بعض المدن الأوروبية، بعضها شُيّد منذ قرون فيما بعضها الآخر بنُي في العصر الحديث.
الجامع الكبير في بروكسل، بلجيكا
يعتبر الجامع الكبير في بروكسل أقدم مسجد في بروكسل. يقع في متنزّه Cinquantenaire Park. وهو أيضًا مقر المركز الإسلامي والثقافي في بلجيكا.
شيّد المبنى الأصلي المهندس المعماري أرنست فان Humbeek على النمط العربي، في الجناح الشرقي من المعرض الوطني في بروكسل عام 1880.
وكان يضمّ في تلك الفترة لوحة ضخمة: «بانوراما القاهرة»، من أعمال الرسام البلجيكي إميل فوتر. أُهمل المبنى لعقود إلى أن أتى عام 1967، حين قدّم الملك بودوان المبنى هديّة إلى الملك فيصل بن عبدالعزيز خلال زيارة رسمية للملك السعودي إلى بلجيكا.
وتحوّل المبنى إلى مكان للعبادة ترتاده الجالية المسلمة في بلجيكا التي كانت قد نمت إلى حد كبير في ذلك الوقت. استغرق تنفيذ إعادة الإعمار فترة طويلة بتمويل من المملكة العربية السعودية. يضم المسجد مدرسة ومركز البحوث الإسلامية الذي يهدف إلى نشر الدين الإسلامي. كما يقدم المركز أيضًا دورات في اللغة العربية للكبار والأطفال، فضلاً عن الدورات التمهيدية لتدريس تعاليم الإسلام.
مسجد أدهم باي في تيرانا عاصمة ألبانيا
بدأ بناء مسجد أدهم باي عام 1789 بأمر من الملا بك والي تيرانا، وأنهى بناءه عام 1823 نجله حقي حفيد سليمان باشا. يقع المسجد في ساحة سكندربغ Skanderbeg في وسط العاصمة.
أُغلق في العهد الشيوعي وأُعيد فتح أبوابه للمؤمنين عام 1991 عندما تهاوى النظام الشيوعي في أوروبا الشرقية، ومن دون إذن السلطات المحلية توجّه عشرة آلاف مسلم لأداء الصلاة فيه، فشكلت هذه المظاهرة علامة فارقة في ولادة الحرية الدينية من جديد في ألبانيا.
يتميز المسجد باللوحات الجدارية التي تصور الأشجار والشلالات والجسور، أمّا محرابه فزُيّن بالزخارف والمنمنمات التي تعكس الدقة في الفن الإسلامي.
يرتاد المسلمون في تيرانا المسجد لأداء صلاة العشاء والتراويح. أما الإفطارات فيمكن السائح أن يحصل على وجبة إفطار وسحور حلال بسهولة، إذ إن معظم المطاعم في تيرانا توفر اللحوم الحلال، ذلك أن غالبية سكانها من المسلمين.
مسجد روما في إيطاليا
هو أحد أكبر المساجد في أوروبا، يمتد على مساحة 30 ألف متر مربع ويستوعب 12 ألف مصلٍ. يقع المسجد في منطقة أكوا أسيتوتزا Acqua Acetosa عند سفح هضبة باريوللي Monti Parioli شمالي روما.
وبالإضافة إلى أنه مسجد، فهو يضمّ المركز الإيطالي الإسلامي الثقافي الذي يوفر الخدمات الثقافية والاجتماعية المختلفة للمسلمين المقيمين في إيطاليا. كما تنظّم فيه حفلات الزفاف.
أسس المسجد أمير أفغانستان المنفي محمد حسن وزوجته الأميرة راضية، وموّله خادم الحرمين الشريفين الملك فيصل بن عبدالعزيز. وقد صمّم المشروع المهندسون: باولو بورتوغيسي، وفيتوريو جيغليوتي وسامي الموسوي.
استغرق تصميم المسجد أكثر من عشر سنوات: تبرع مجلس مدينة روما بالأرض عام 1974، وتم وضع حجر الأساس فقط عام 1984 في حضور رئيس الجمهورية الإيطالي آنذاك ساندرو بيرتيني، وافتُتح في 21 حزيران/ يونيو 1995.
جاءت هندسة المسجد متماهية مع الطبيعة الخضراء المحيطة بها، مع مزيج من الهندسة المعاصرة والمنحنيات المنتشرة في كل مكان. وتم مزج الأضواء والظلال بغية إيجاد مناخ تأملي.
فيما تستحضر المواد المستعملة، مثل TRAVERTINO وكوتو، الأنماط المعمارية الرومانية التقليدية. أما الديكور الداخلي فقد طغت عليه الألوان الفاتحة، وزُخرفت الجدران بالآيات القرآنية.
مسجد الملك عبدالعزيز آل سعود أو مسجد ماربيللا في إسبانيا
يقع مسجد الملك عبدالعزيز في ماربيللا جنوب إسبانيا وقد أمر ببنائه الملك سلمان آل سعود عام 1981 حين كان أميرًا للرياض، تكريمًا للملك فهد بن عبدالعزيز.
جاءت هندسة المسجد على النمط الأندلسي مطعّمة بالنمط المعماري العربي المعاصر. صمم هندسة المسجد ونفذها المهندس المعماري القرطبي خوان مورا. تتسع باحة المسجد لـ 800 مصلٍ، ويضم حدائق ومكتبة وبيتًا للإمام.
مسجد باريس الكبير، في فرنسا
يقع مسجد باريس الكبير La Grande Mosque de Paris في الدائرة الخامسة وهو واحد من أكبر المساجد في فرنسا.
شُيّد المسجد بعد الحرب العالمية الأولى، عام 1926، كعربون امتنان للقنّاصة المسلمين الذين قاتلوا إلى جانب الجنود الفرنسيين ضد ألمانيا وقتل منهم نحو 100،000 في هذه المعارك.
جاءت هندسة المسجد على النمط المغربي، إذ يحتوي على باحة تتوسطها النوافير مستحضرة جوامع الأندلس وقصورها وحدائقها الغنّاء، إن لناحية المنمنمات والزخارف، أو لناحية الألوان التي يطغى عليها الأزرق الفيروزي. أما المئذنة فارتفاعها 33 مترًا.
افتتح المسجد الرئيس غاستون دوميرغ في 15 تموز/ يوليو 1926. وأمّ أحمد العلاوي (1869-1934) أول صلاة للجماعة في وجود الرئيس الفرنسي.
وخلال الحرب العالمية الثانية، عندما احتلت ألمانيا باريس، جعل إمام المسجد سي قدور بن غبريت المسجد ملجأً سريًا لليهود الجزائريين والأوروبيين، ويقال إنه وفّر لهم المأوى والمرور الآمن، حتى أنه استخرج لهم شهادات ميلاد تشير إلى أنهم مسلمون لحمايتهم من الاضطهاد النازي.
مسجد برلين ومسجد النور في فرانكفورت في ألمانيا
يقع مسجد برلين في شارع برينر Brienner 7- 8 فيلمرسدورف Wilmersdorf. شيّده المهندس المعماريهيرمان عام 1923 و 1925 ويبلغ ارتفاع مئذنته 27 مترًا. أُصيب المسجد بأضرار فادحة في الحربالعالمية الثانية. وأُعيد بناء منارتيه بين عامي 1999و2001.
وفي فرانكفورت مسجد نور في شارع زاكسينهاوزن Sachsenhausen هو ثالثٌ مسجد بني في ألمانيا.افتُتح المسجد في أيلول/ سبتمبر عام 1959 من جانب السير محمد خان Zafrulla، وقد نال هذاالمسجد شهرة بعدما أدى الملاكم العالمي محمد علي كلاي الصلاة فيه.